الطب النفسي
- بقلم أ.د. عبدالكريم مصطفى ابراهيم عوض
- 12-فبراير -2013
الطب النفسي تخصص يتصل بجميع مفاصل المجتمع. فكثيرا ما تجد أن رأي الطبيب النفسي مطلوب في قضايا متنوعة من قضايا المجتمع وظواهره. فإذا وقعت جريمة فأين رأي الطب النفسي وإذا انتشرت ظاهرة فبما يفسرها الطب النفسي وإذا أردنا أن نبحث في أثر ثورة الاتصالات على المجتمع فما هي الانعكاسات النفسية وإذا مالت بعض السيدات للإسراف في الشراء فلابد أن هناك أسبابا نفسية.
وكثيرا ما يلجأ الناس إلى الطبيب النفسي يستفتونه ويستنيرون برأيه وهنا يذكر أحدهم هذا الموقف بطريقة طريفة فيقول لأنهم يتصورون أنه حكيم أي لديه حكمة وكل ما لديه من حكمة سببها أن لديه حكم جيد على الأمور وهذا الحكم الجيد على الأمور مصدره أن الطبيب النفسي لديه خبرات كثيرة وهذه الخبرات الكثيرة تراكمت من حكمه السيء على الأمور
قل لي ماذا تعرف في هذه الحياة لا يتدخل فيه الطب النفسي, إنك لن تستطيع أن تتعامل مع نفسك أو الآخرين إلا إذا كان لديك وعي نفسي. إنك تحتاج لذلك في مكتبك ومصنعك ومزرعتك وشارعك وناديك وبيتك وحتى في غرفة نومك.
ومن الناحية الاكلينيكية يختلف تخصص الطب النفسي عن غيره من التخصصات. فهو لا يتعامل مع المريض كحالة مرضية وحسب ولكن ينظر للمريض كانعكاس لتاثيرات مختلفة ومتعددة منها العضوي والنفسي والاجتماعي. ولهذا لو أن لديك مريض بورم او مرض آخر يمكنك تأخذه لدولة غربية أو شرقية من أجل العلاج ولكن في حالة المرض النفسي لا بد لمن يعالج المريض أن يكون على دراية ببيئة المريض وثقافته.
ومن مشاكل الطب النفسي أن نسبة من لديهم مشاكل نفسية لا تقل عن 30% من المجتمع ومع هذا لا يطلب المساعدة إلا حوالي 15% وللأسف هذا يخلف حالات مهملة في البيوت بدون مساعدة مما يؤدي إلى تدهورها ويفاقم من مشاكلها على المريض وعلى المجتمع.
وكثير ما يأتي شخص يشكو من مشكلة حياتية تؤثر على حياته ولكن لا تصل إلى مستوى المرض النفسي ولهذا عند الاطباء النفسيين محور تشخيصي يسمى V-Code توضع عليه التشخيصات التي تمثل مجرد مشاكل نفسية لا تصل لمستوى مرض نفسي. وقد تنتهي المشكلة بمجرد الحديث عنها ومناقشتها بدون علاج دوائي.
وهناك حالات توهم مرض مثل توهم الامراض العضوية. وقد يدمن بعض المرضى النفسيين المستشفيات ويحدث معضلة تشخيصية. وقد يتوهم شخص أن شكلها أو شكله كريه أو أنفه ضخم وهو على العكس تماما.
وللاسف كثير من المرضى النفسيين يضيعون في العيادات الخاصة بالتخصصات الاخرى غير تخصص الطب النفسي. وربما يتم عمل فحوص واستقصاءات ليس لها مبرر حيث دلت الدراسات أن 20% من مرضى القسطرة القلبية هم من مرضى الهلع وهو نوع من القلق النفسي الحاد وقد يتم فتح بطن المريض أو إجراء عملية تجميل له بدون مبرر طبي.
والملاحظ أن ترجمة علم الطب النفسي هو الطبيب الذي يستعمل نفسه في علاج مريضه فالعلاقة بين الطبيب والمريض يمكنك وصفها بأنها مادة فعالة في العملية العلاجية ولهذه العلاقة دور محوري في عملية الشفاء فهي تساعد المريض على تحمل الاثار الجانبية للدواء وتجعله أكثر التصاقا ببرنامجه العلاجي. فالوصفة التي يكتبها الطبيب الصغير مثلا قد تكون هي نفسها التي يكتبها الطبيب الكبير المشهور ولكن الثقة التي يضعها المريض في الطبيب الكبير تجعل الأثر الإيحائي أعلى والنتيجة للأستجابة للعلاج أعلى.
ومن الشكاوى البارزة في الطب النفسي، الوهم وهو يعني وجود ضلالات وهي اعتقادات خاطئة ثابته لا يمكن دحضها بالمنطق والبرهان وذلك عادة مايحدث في أمراض الفصام أو نوبات الهوس. والوهم من الممكن ان يصيب جميع الاعمار ولكن يزداد في فترة المراهقة. فمثلا قد يتوهم شخص أن زوجته تخونه وهذا غير صحيح وقد يتوهم أنه المهدي المنتظر أو قد تتوهم أنها مريم العذراء.
ومن الشكاوى الشهيرة في الطب النفسي، القلق وهو الخوف غير المنطقي حيث يتوقع المريض دائما حدوث كارثة. والخوف بصفة عامة نصفه محمود ونصفه مذموم. فالنصف المحمود يعينك على الاجتهاد للامتحان والاستعداد بكثرة الدراسة ليتحسن أداؤك في الامتحان ولكن إذا وصل الخوف لدرجة تؤثر على استيعابك وأداءك أصبح مرضا. وهكذا نجد ان النصف المذموم نشأ من زيادة مستوى القلق بالصورة التي تمنع الإنسان من أداء وظائفه الحياتية بشكل طبيعي.
ومن أشهر الامراض النفسية: الاكتئاب وهذا المرض برغم كثرة الادوية والاساليب التي اكتشفت لعلاجة إلا أن منظمة الصحة العالمية تتوقع أن يكون هو القاتل الأول على مستوى العالم في عام 2030 وفي هذا للأسف سيتفوق الاكتئاب على أمراض السرطان وحوادث السيارات في قتل الناس. وهذا يجب أن يستنفر كافة جهود المجتمع لمواجهة هذا الوحش القادم بشراسته ليس فقط على مستوى العلاج بل على مستوى الوقاية والتدخل المبكر. ومن المبشرات أننا نقرأ يوميا أبحاثا ونتائجا بل وأدوية جديدة لعلاج الاكتئاب.
ويقوم الاعلام في الحقيقة بدور محوري في التوعية بالامراض النفسية وبأهمية الطلب المبكر للمساعدة النفسية وبأهمية دور الطب النفسي في المجتمع. وليس أدل على ذلك من إفساح المجال لمثل هذا الموضوع في هذا المكان.